عبادة الله تعالى بالغناء والسماع
الأمر الأول: أنهم عبدوا الله بالغناء والشعر والنشيد والسماع، فما جعله العرب من عشق وغزل في ليلى و عبلة و بثينة و لبنى و سعاد إلى آخر ذلك من الأسماء الموجودة في دواوين العرب يأخذه الصوفية ويتغنون به ويبكون ويخشعون ويرقصون ويتمايلون ويتعبدون الله به؛ لأن المسألة عندهم محبة، ويعتقدون أن هذا الذي أحب هذه الفتاة أو تلك المرأة هو في الحقيقة -كما يقول بعضهم- ما أحب إلا الله؛ لأنه إنما أحب ما يتجلى من جمال الله، فأخفوا بذلك شهواتهم الخفية، وحرموا أنفسهم من الزواج ومما أحل الله من المتعة، ثم يجلسون مع النساء ويتغزلون بالأناشيد الغزلية، ويقولون: إن أهل الشهوات (أهل الدنيا) منحطون محجوبون عن الله، ونحن أعلى وأسمى من ذلك؛ لأننا نتغنى ونحن نريد بذلك الله والجمال الروحاني، ولا نقصد الجمال الجسماني الجسدي البشري. والحقيقة أن القضية واحدة مهما جعلوا من هالات، وإنما ذلك مغالطة منهم لأنفسهم. وترتب على ذلك تسهيل الطريق لمن أراد التسكع والفساد، ولذلك كان بعض الشعراء الفساق وأمثالهم قديماً يخافون من أهل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون أو أن يجلسوا مع الجواري أو المغنيات، فيدخلون مع الصوفية ويحضرون الحضرة ويتمايلون معهم ويغنون، ومن ثم يرون الوجوه التي يريدون أن يروها، ويحصل من الطرب والسهر ما لا يقل عما يفعله الفساق، بل وصل بهم الحال وتطور بهم الأمر إلى حد أن الملوك والزعماء المجرمين استغلوا ما هم عليه من الضلالة وبدءوا بنشره والدعوة إليه ليصرفوا الناس عن الدين الحق، ومن ثم لا ينكر عليهم منكر ما يفعلونه من المنكرات والموبقات، حتى إنه في أيام المماليك كانت الحضرات والاحتفالات الصوفية ينفق عليها الألوف من قبل الأمراء.فهذا أحد نتائج هذا المحبة الزنديقية، وهو التعلق بالغزل والسماع، وقد وصل بهم الحال في ذلك إلى أن كتب أبو عبد الرحمن السلمي وغيره في إباحة السماع والرقص، وأن ذلك جائز تديناً، أي: إن غنيت وطربت ورقصت لهواً فهذا حرام، أما إن كان تديناً وذكراً فذلك عبادة رفيعة ودرجة عالية، وهذا هو الفرق في نظرهم.